من عجائب الرؤساء - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/09/blog-post_16.htmlمن يصدق أن رئيسا للجمهورية يمكن أن يزهد فى المنصب، ويقرر أن يتركه لكى يتفرغ للتعبير عن عشقه للشطرنج؟
الأولى الزهد فى المنصب معقولة فى غير بلادنا بطبيعة الحال،
لكن الثانية غير معقولة فى أى مكان بالكرة الأرضية، باستثناء روسيا الاتحادية، هذا حدث مع كيرسان ايليو مجينوف رئيس جمهورية «كالميكيا» الروسية التى تتمتع بالاستقلال الذاتى وتقع على ضفاف بحر قزوين، (أغلب سكانها من البوذيين).
السيد إيليو مجينوف يرأس جمهورية كالميكيا منذ سبعة عشر عاما (انتخب عام 1993) لكنه انتخب رئيسا للاتحاد الدولى للشطرنج بعد فترة قصيرة من توليه المنصب فى عام 1995، حيث عرف عنه هوسه باللعبة وذيوع شهرته كلاعب ماهر.
وطوال السنوات التى خلت ظلت تتنازعه الرغبة فى التفرغ للهواية التى تعلق بها وعشقها، ويبدو أنه فقد حماسه لرئاسة الجمهورية مؤخرا، فأعلن أنه لن يطلب التجديد لنفسه، مكتفيا بأربع ولايات أمضاها فى منصبه،
وقال فى تصريحات صحفية إنه لن يطلب من الرئيس الروسى أن يمدد له رئاسته للمرة الخامسة، علما بأن رؤساء الجمهوريات التى تتمتع بالحكم الذاتى يعينون من قبل الكريملين ابتداء من عام 2004، وكانوا ينتخبون قبل ذلك.
طوال فترة رئاسته ظل صاحبنا يعتبر بلده جمهورية كالميكيا هى عاصمة الشطرنج فى العالم، ولذلك أنشأ فى عاصمتها (اليستا) ما اطلق عليه «مدينة الشطرنج» وهى عبارة عن مجمع من المبانى مخصص لأنشطة هواة اللعبة،
الطريف أن رئاسة الرجل لاتحاد الشطرنج ليست مضمونة، لأن لاعبا روسيا كبيرا اسمه أناتولى كاربوف ينافسه على هذا المنصب فى انتخابات لشغل المنصب ستجرى فى 29 سبتمبر الحالى، فى حين أن ولايته الرابعة لرئاسة الجمهورية تنتهى فى 24 أكتوبر الذى يليه.
الذى حدث فى ألمانيا أقل غرابة، وإن اعتبر فى بلادنا من العجائب فى عالم السياسة. ذلك أن الرئيس الألمانى كريستيان فولف الذى انتخب لمنصبه فى 30 يونيو الماضى واجه مشكلة فى تعليم ابنه، حين اضطر إلى الانتقال من هانوفر حيث مقره وموطنه الأصلى إلى العاصمة برلين لتولى مهام منصبه.
إذ حاول إلحاق ابنه الصغير «لينوس» بإحدى الحضانات الحكومية ذات الأسعار الرمزية، لكنه لم يجد مكانا له، فاضطر إلى تسجيل ابنه على قائمة الانتظار لحين خلو أحد الأماكن، حيث تشير الإحصاءات إلى أن فى برلين نحو 117 ألف مكان فى رياض الأطفال، مقابل نحو 152 ألف طفل لمن هم تحت 6 سنوات أما الذين تحت 3 سنوات فإن الأماكن المتوافرة لا تستوعب منهم سوى 43٪ من أطفال المدينة، وبسبب من ذلك يوضع عشرات الأطفال كل عام على قوائم الانتظار حتى تتوافر لهم الأماكن فى الحضانات أو فى المدارس الابتدائية،
ولأن الرئيس الألمانى خارج مكتبه مواطن عادى شأنه شأن غيره من خلق الله، فإنه عجز عن إلحاق طفله بحضانة الحى الذى يقيم فيه، وحين تحدث عن هذا الموضوع إلى وسائل الإعلام فإنه ذكر أن منصبه يحظى باحترام كبير حقا، لكن ذلك لا يعنى أن يغير من نمط حياته هو وعائلته، أو أن يعاملوا معاملة خاصة تميزهم عن غيرهم من المواطنين.
الطريف أن وسائل الإعلام الألمانية حين اهتمت بالخبر وأبرزته، فإنها لم تركز على عجز الرئيس عن إلحاق ابنه بالحضانة واعتبرت ذلك أمر عاديا لا يثير الانتباه، ولكنها اعتنت بالأمر بحسبانه دليلا على وجود أزمة نقص فى الحضانات بالعاصمة.
إن رئيس جمهورية الاتحاد الروسى الصغيرة لم يجد فى منصب الرئاسة ما يغريه بالاستمرار فيه حتى آخر نفس، وأدرك أن رئاسته لاتحاد الشطرنج توفر له متعة لا يجدها وهو رئيس، فانحاز وراء حسه الإنسانى معرضا عن أبهة السلطة وهيلمانها،
أما الرئيس الألمانى فلم ينس أنه فى الأصل مواطن، كل الذى حدث له أنه حين انتخب انتقل من هانوفر إلى برلين، فى حين أن الرؤساء الذين نعرفهم ما إن يقبض الواحد منهم على منصبه حتى ينتقل من مصاف البشر إلى مصاف الآلهة،
ولذلك كان طبيعيا أن يعجز المستشار الألمانى عن حجز مكان لابنه فى الحضانة،
فى حين أن الآلهة فى أقطارنا يحجزون الأوطان كلها لأبنائهم