حتى فانوس رمضان.. تستورده الأمة!
الفانوس واحد من أحد المظاهر المعبرة عن روح شهر رمضان الكريم.. فمنذ عهود تعودنا على أن نستقبل الشهر الفضيل بالفوانيس التي تطورت أشكالها وأنواعها بتطور الزمن.
و للأسف هذا الفانوس يكشف الحالة التي وصلت إليه الأمة من الضعف.. فالأمة الإسلامية لم يعد بمقدورها أن تصنع حتى الفانوس ونضطر لاستيراده من الدول الغربية.
في الماضي كانت الأمة الإسلامية منارة للعلم والتقدم في كل مناحي الحياة.. فكانوا السابقين في كل علم والمتقدمين في كل صناعة والمبتكرين لأنواع العلوم والفنون والصناعات.. فكنا نصنع كل ما نحتاج إليه من غذاء وكساء ودواء فلذلك كنا أعزاء وأقويا وقدرنا العالم وعملوا لنا ألف حساب.
فالمسلمون الأوائل ابتكروا في هذه العلوم حتى تعلم منهم الغرب ونقل هذه العلوم والحضارات إلي بلادهم.. وما زال الغرب إلي هذا اليوم يعترف بقدر هؤلاء العلماء ويحترمهم.. أما الآن فلم يعد بمقدورنا أن نصنع حتى فانوس رمضان أو سجادة الصلاة أو حتى بوصلة القبلة.
يقول الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر: تقاس الأمم بالحضارات والإنشاءات والاختراعات والابتكارات وليست بالكلمات والشعارات.. وكما قيل من ملك الدينار ملك القرار.. وإذا كان الطعام من الفأس كان القرار من الرأس.
ويضيف: السبب في تأخرنا أننا لم نفهم الدين حق فهمه.. لأننا لو فهمنا أن جوانب الدين يدخل فيها جانب العلم أيا كان شكله.. فإنه لا ريب أن الإنسان سيجتهد في عمله ويبتكر ويبدع من أجل خدمة هذا الدين.. فمشكلتنا أننا نظن أن التدين هو معرفة العلوم الشرعية فقط وهذا خطأ كبير.. فالإنسان أحوج ما يكون إلي علوم الطب والهندسة والكيمياء والجيولوجيا بجانب العلوم الشرعية حتي يستطيع أن يخدم دينه، ويخدم أمته الإسلامية.. فعالم الدين نفسه أحوج ما يكون إلي هذه العلوم حتي يحسن فهم الدين وإلا وقع في كثير من الأخطاء.
وأوضح أن الارتباط بين العمل والعبادة والتقدم والطاعة في الإسلام أصلان رئيسان وركنان متفقان.. فلا تعبد بدون عمل ولا تقدم بدون عبادة.. فالذين كانوا قبلنا فهموا هذه الحقيقة فرأينا منهم التقدم في كل المجالات.. ففي مجال الطب نجد ابن سينا وابن النفيس, وفي الرياضيات الخوارزمي والجغرافيا ابن ماجد والإدريسي وبن بطوطة وغيرهم الكثير والكثير الذين فهموا حق الإسلام.. و العجيب أن معظم هؤلاء العلماء كانوا علماء في جوانب الدين أيضا. فابن رشيد كان فقيه بجانب الطب.. وابن القيم كان موسوعة فقهية متكاملة وهو الذي ألف كتاب الطب النبوي.. والسيوطي الذي ما ترك علما إلا كتب فيه وابن النفيث كان فقيه مع تقدمه في الطب.. وهذا يؤكد أن الدين هو سبب التقدم لأن هؤلاء العلماء ما تحركوا إلا من باب خدمة دينهم فما اخترعوا كل هذه الاختراعات.. وما ابتكروا هذه الابتكارات إلا إرضاء لله عز وجل ورسوله صلي الله عليه وسلم.. ولكن المشكلة أن بعض الناس من مدعي المدنية أنكروا علاقة الدين بالعلوم التجريبية وغيرها وقصروها علي العلوم الشرعية فقط، كالفقه والتفسير والحديث.. أما هذه العلوم التجريبية فاعتبروا أنه لا صلة للدين بها.. ومن هنا جاءت مشكلة الفهم عند طلاب العلم وعند العلماء.. والحقيقة أنه لابد من الجمع بين العلمين بقدر وقدر.
وأشار إلي أن المسلم يجب أن يبتعد عن الكسل والتقليد والتسليم للغير.. بل عليه أن يبحث عن مصدر قوته ويتقن صنعته ويبتكر في عمله ويمشي في الأرض ليبتغي رزق الله.. وهذا المشي الذي أمرنا الله به إنما قصد به الابتكار والاختراع والعمل والنشاط.. ولذلك أمرنا الله عز وجل به حتي بعد صلاة الجمعة فقال:( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).. ولم يقل فإذا قضيت الصلاة فناموا.. مع أن هذا يوم الجمعة الذي يعرف بالراحة.. فكيف بغيره من الأيام.. ومعلوم أن يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين.. وإذا كان الله يطلب منا في عيدنا أن نهرول للعمل فكيف الأيام التي ليست أعياد.. وهذا يعلمنا أن العيد ليس معناه الراحة والكسل وإن الجد و العمل..
وطالب الصائمون أن يعودوا لحال من سبقهم فيسارعوا إلي الخيرات في كل مجال ويروا الناس في هذا الشهر نشاطا وعملا وتقدم, واتقانا للعمل وابتكارا في كل المجالات.. بهذا ترتقي الأمم وبهذا تتقدم الشعوب أما أن تكون نفقتنا في رمضان مضاعفة واستيرادنا كثيرا وأعمالنا معطلة.. هذا ينبأ عن خلل في الفكر وضعف في الإيمان وجهل بالدين.