بسم الله الرحمن الرحيم
تعليم اللغة العربية الفصحى لأبنائنا نطقا وقراءة وكتابة هو أمر صعب ويحتاج إلى الكثير من الصبر والمران وكلّ المعلمين والأولياء الحريصين على تعليم أبنائهم يعرفون ما تؤدّي إليه اللهجة العامية التي تترسخ في أذهان الأبناء طيلة سنوات ما قبل المدرسة من عرقلة لعملية التعلم هذه. هنا يطرح علينا سؤال بسيط : ماذا لو بدأنا بتعليم اللغة العربية قبل العامية أو على الأقلّ بطريقة متوازية معها؟
هناك اعتراضان على هذا المقترح :
• كيف لعقل الصغير أن يفقه لغة "صعبة" مثل العربية الفصحى ؟
• ألن يؤدّي تعليمه العربية في سن مبكرة إلى الحدّ من اجتماعية الصغير باعتبار أن اللهجة هي وسيلة التخاطب في المجتمع ؟
بشأن الاعتراض الأوّل أثبت علم النفس اللغوي أن عقل الإنسان يكون في أوج قدرته على تعلم اللغة في الفترة المتراوحة بين 3 و6 سنوات وأنه بالإمكان تعلم أكثر من لغة بطريقة متوازية بطريقة التخاطب والإستعمال اليومي ووفقا لقاعدة "كلّ شخص يساوي لغة" (une personne, une langue) بعد سنته السادسة يميل عقل الصغير إلى التركيز على المعرفة والاستكشاف أكثر من اللغة في حدّ ذاتها (فتكثر أسئلته حول ما حوله وحول الطبيعة والكون وتضمر قدراته اللغوية تدريجيا). بالطبع لا يعني هذه أنه لن يتعلم أي لغة فيما بعد ولكن ما كان سيتعلمه بسهولة لا توصف في الصغر سيتعلمه لاحقا بعد عناء ومران طويل.
بشأن الاعتراض الثاني يكفي لتجنب ذلك تقاسم الأدوار داخل الأسرة فالطرف الذي يتقن الفصحى (الأب أو الأمّ) عليه اعتمادها في التخاطب مع الصغير طيلة اليوم في حين يعتمد الطرف الآخر العامية للتواصل مع الصغير. ولا وبدّ هنا من التأكيد على ضرورة الإلتزام بالتوزيع بحيث لا يقبل الطرف الفصيح سوى الفصحى من الصغير ولا يبادله الحديث سوى بها فمثلا :
- إن قال الصغير "أريد أن أركب في ((السيارة بالدارجة)) معاك"
- يقول الطرف الفصيح له "هل تقصد السيارة ؟ " متصنعا عدم الفهم
- عندها سيقول الصغير " نعم "
- فيرد الطرف الفصيح " ماذا تريد إذا؟ "
- ولا بدّ أن يصلح الصغير خطابه ليقول " أريد أن أركب السيارة معك ."
الأمر يبدو صعبا ومعقدا ولكن النتيجة مضمونة كليا : معجم الصغير الفصيح يكبر يوما بعد يوم بفضل الخطاب مع الطرف الفصيح الذي يقرأ له قصص الأطفال ويشاهد معه برامج الصور المتحركة ويحاول أن يفسر له ما تيسر من القرآن الكريم إضافة إلى بعض الأناشيد الفصحى التي يتعلما في الروضة. وفي الآن نفسه تـُـواصل اللهجة العامية نموّها الطبيعي مدعومة بتواصل الصغير مع أنداده ومع "آنستي" في الروضة.
هذا الذي أحدثكم عنه ليس مجرّد نظرية ولا هو منقول من أحد مواقع الأنترنت وإنما هو ملخص تجربتي مع إبنتي ذات الأربع سنوات ونصف منذ سنتها الثالثة، وهي اليوم تفهم كلّ ما يقال لهـا بالفصحى ويكفي أن يبادلها أي شخص الحديث بالفصحى حتى تصنـّفه في قائمة الفصَحَـاء وتردّ عليه بالأسلوب نفسه. كما أن إبنتي تلعب مع دميتها وتبادلها الحديث بالفصحى بطريقة سلسلة دون أيّ تصنّع، وكم يطيب لي أن أسترق السمع لأسمعها تقول لهـا :
- ما بك يا دميتي هل أنت مريضة ؟
- هيا سنذهب إلى الطبيب ليفحصك ؟
- أولا يقيس الطبيب دقات قلبك، ثم يلمس بطنك بيديه الباردتين : أوه كم هي باردة يد الطبيب...
- ماذا أسمع ؟ أنت تخافين الحقنة ؟؟ هيا تشجعي حتى تبرئي ويعود لك نشاطك... إلخ
أعتقد أني كسبت الرهان
منقول للامانه