استمرت الاحتجاجات والمواجهات في القاهرة ومحافظات مصرية أخرى رغم تعهد قيادة المجلس العسكري الأعلى بنقل السلطة بالكامل إلى حكومة مدنية بحلول منتصف العام المقبل، وبتشكيل حكومة إنقاذ خلال أيام, فيما قال الإخوان المسلمون إنهم سيراقبون التزام المجلس بتعهداته.
وقرر آلاف المحتجين المشاركين في ما أطلق عليه "مليونية إنقاذ الوطن" مواصلة الاعتصام في ميدان التحرير بالقاهرة, وفي ميادين بمدن أخرى مثل الإسكندرية.
وكان مئات الآلاف قد احتشدوا أمس الثلاثاء في ميدان التحرير في واحد من أضخم التجمعات بعد ثورة 25 يناير لمطالبة المجلس العسكري بالإسراع في نقل السلطة, واحتجاجا على مقتل العشرات وإصابة المئات عقب محاولة الأمن فك اعتصام في ميدان التحرير نهاية الأسبوع الماضي.
أعداد كبيرة من المحتجين ظلوا معتصمين في ميدان التحرير عقب خطاب المشير طنطاوي (رويترز)
احتجاجات مستمرة
ولم تهدّئ الوعود التي أطلقها رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي باستكمال نقل السلطة إلى حكومة مدنية في يونيو/حزيران القادم على أقصى تقدير غضب المحتجين الذين واصلوا ترديد هتافات مناهضة للمجلس وللمشير شخصيا.
كما تجددت عقب كلمة المشير مباشرة المواجهات بين محتجين والشرطة التي تحمي وزارة الداخلية. وبعدما علموا بفحوى خطاب طنطاوي عبر الهواتف المحمولة حيث لا توجد شاشات في الميدان, ردد المحتجون هتافات من قبيل "الشعب يريد إسقاط المشير" و"واحد: السلطة مدنية, اثنين: حكومة وطنية".
واعتبر محتجون بيان المشير طنطاوي غير كاف, بل واتهموه بمحاولة كسب الوقت, كما اتهموه بالفشل في إدارة المرحلة الانتقالية. وقال محتجون آخرون إنه ينبغي تشكيل مجلس رئاسي مدني, وتجريد المجلس العسكري من أي صلاحيات.
وفي حين أن جانبا من المحتجين بدا مصمما على البقاء في ميدان التحرير, اضطر آلاف آخرون في وقت متأخر مساء أمس إلى مغادرة الميدان بسبب كثافة الغازات التي أطلقتها قوات الشرطة التي تحاول منذ ثلاثة أيام منع محتجين من الوصول إلى مقر وزارة الداخلية القريب من ميدان التحرير.
مواقف متباينة
أما القوى السياسية المصرية فتباينت ردود أفعالها على وعود المجلس العسكري وعلى الاتفاق الذي تم بينه وبين قوى سياسية.
الكتاتني قال إن الإخوان سيراقبون التزام المجلس العسكري بنقل السلطة (الجزيرة)
فقد قال الأمين العام لحزب "الحرية والعدالة" -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- محمد سعد الكتاتني إن الحزب سيراقب باهتمام بالغ التزام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة لممثلي الشعب المدنيين عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعد أقصاه منتصف 2012.
وطالب الكتاتني المجلس العسكري بإجراءات فورية تشمل كشف المتورطين في الأحداث الأخيرة التي قتل فيها أكثر من ثلاثين شخصا وجرح مئات آخرون.
من جهتها, رفضت حركة شباب 6 أبريل نتائج الاجتماع الذي جمع المجلس العسكري بممثلي قوى سياسية بينها الإخوان المسلمون والوفد, وشخصيات مرشحة لانتخابات الرئاسة القادمة بينها عمرو موسى.
وقالت الحركة إن القوى المشاركة في اللقاء لا تمثل ميدان التحرير, وأضافت أن مطالب المحتجين محددة ولا يمكن التفاوض عليها. وطالبت المجلس العسكري بالاستجابة لها وتنفيذها على الفور, واتهمته بالفشل فى إدارة المرحلة الانتقالية تماما.
تسريع نقل السلطة
وكان المجلس العسكري قد وافق مساء أمس على تشكيل حكومة إنقاذ وطني تحل محل حكومة عصام شرف, وتسليم السلطة مع إجراء انتخابات رئاسية بحلول منتصف 2012 تعقب الانتخابات البرلمانية المقرر أن تبدأ الاثنين المقبل.
كما أكد المجلس -خلال اجتماع قادة القوى السياسية مع الفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس قبل أن ينضم إليه لاحقا المشير طنطاوي- أن الانتخابات البرلمانية ستجرى في موعدها المقرر الاثنين المقبل ووفق المراحل المعلنة.
البرادعي تردد اسمه لرئاسة حكومة الإنقاذ الوطني (الجزيرة)
وفي وقت لاحق، أكد طنطاوي -في كلمة بثها التلفزيون المصري- تعهدات المجلس بتسريع نقل السلطة, مشيرا إلى احتمال تنظيم استفتاء على نقل السلطة، ومؤكدا أن المجلس لا يطمع في البقاء في الحكم.
وقال زعيم حزب الوسط أبو العلا ماضي -الذي شارك في الاجتماع- إن المجلس العسكري وافق على تشكيل حكومة إنقاذ وطني خلال أيام. وأوضح المرشح الإسلامي لرئاسة الجمهورية سليم العوا أن مهمة حكومة الإنقاذ الوطني هي تنفيذ أهداف ثورة 25 يناير.
ولم يذكر العوا أي تفاصيل أخرى عن طبيعة هذه الحكومة أو الشخصية التي ستترأسها أو المدة التي ستتولى خلالها مهامها، وما إذا كانت ستنتهي بانتخاب مجلس الشعب أم لا, فيما أثير اسما محمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح كمرشحين محتملين لرئاسة تلك الحكومة. وقد قبل المجلس استقالة حكومة عصام شرف وكلفها بتصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة.
ترحيب أميركي
وفي سياق المواقف الدولية من الأحداث الجارية بمصر, أشادت واشنطن بوعود المشير طنطاوي بشأن تسليم السلطة لحكومة مدنية. بيد أن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أبدت في المقابل قلق واشنطن من العنف ضد المتظاهرين.
وقالت إن بلادها تدين الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة, وتدعو الحكومة المصرية إلى ضبط النفس, كما دعت السلطات المصرية إلى كبح جماح قوات الأمن والسماح بالتظاهر السلمي. وكانت دول أوروبية قد أبدت أيضا قلقها من أعمال العنف في مصر.
القتلى والمواجهات
وفي الأثناء, أعلنت وزارة الصحة المصرية أن قتيلين سقطا أمس في القاهرة ليرتفع عدد القتلى منذ بداية المواجهات داخل وحول ميدان التحرير إلى ثلاثين قتيلا.
وقال مراسل الجزيرة من جهته إن شخصا لقي حتفه خلال مواجهات وقعت مساء أمس في محيط مديرية أمن الإسكندرية. وكانت تقديرات سابقة قد تحدثت عن مقتل ما لا يقل عن 35 شخصا أغلبيتهم الساحقة في القاهرة منذ بدء المواجهات.
وقد امتدت المواجهات أمس إلى مناطق جديدة في مصر منها محافظة الغربية, وتحديدا في مدينتيْ طنطا والمحلة الكبرى. وقال شهود إن مركزين للشرطة أحرقا بقنابل المولوتوف.
وساد توتر أمس مدنا أخرى بينها السويس وبور سعيد وقنا وأسوان وأسيوط بالإضافة إلى شرم الشيخ، في ظل مظاهرات منددة بقوات الأمن.